Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

الشعر للكبار فقط

الشعر للكبار فقط
ادب وثقافة - محمد أبو عرب - 0:48 - 09/06/2016 - عدد القراء : 3539

يأخذ الحديث عن القصيدة في ثقافة الطفل مسارين، لكل منهما أزمته الكبرى في الثقافة العربية، فالأول يمضي في سياق الشعر الموجّه للطفل والمكتوب بأقلام الشعراء الكبار، والثاني يتشكل في فضاء القصيدة التي يكتبها الأطفال أنفسهم.تتشكل أزمة الشعر في ثقافة الطفل في كلا المسارين، لتصبح قابلة للقراءة من جديد في سياق تأصيل الإشكالية والوقوف على جذورها التاريخية والمعاصرة، إذ لكل مسار جملة من المعوقات التي تفضي في النهاية إلى غياب وتراجع ملحوظ للقصيدة الموجّهة للطفل. على صعيد القصيدة المكتوبة بأقلام الشعراء الكبار، يظهر غياب شعر الطفل مشكلة تضاف إلى مجمل الإشكاليات التي تواجه الشعر بصورة عامة، فالعناية بالقصيدة اليوم يمكن وصفها بالعناية الذاتية التي تندرج في سياق المشاريع الشخصية للشعراء الذين يعملون على قصائدهم ويواصلون الكتابة رغم حجم التراجع في قراءة الشعر عربياً، وعالمياً، إذ لم يعد هناك توجه، أو حالة متكاملة تجعل الشعر صوت الثقافة العربية كما كان تاريخياً، أو خلال العقود الأربعة الماضية.إلا أن هذا لا يشكل خصوصية لغياب القصيدة الموجّهة للأطفال، فالمعاين لمجمل النتاج الشعري العربي خلال العقود الخمسة الأخيرة، يجد أنها لم تخرج عن توصيف «ضئيلة» مطلقاً، وظل الشعراء العرب الكبار ممسكين بتجاربهم الشعرية بصورة عامة، ولم يخصصوا جانباً منها للالتفات إلى الطفل وقراءته.لا يعد ذلك قصوراً من الشعراء بقدر ما هو استجابة للحالة الثقافية العربية بصورة عامة، وخصوصية قراءات الطفل بشكل خاص، فالدراسات ظلت تؤكد أن الحكاية أو السرد بصورة عامة هو مفتاح خيال الطفل، والدرب اللغوي الأقرب لفتح منافذ الإبداع لديه، لذلك ظلت «حكاية ما قبل النوم» مشروعاً تربوياً ثقافياً لم تتوقف الإنسانية تاريخياً عن ممارسته، فمنذ حكايات الجدات الأسطورية إلى حكايات الأم التي تجلس على حافة السرير وتقرأ بصوت دافئ حكاية لكبار القصاصين العرب والعالميين.لذلك بدا الشعراء العرب مستجيبين منذ البداية لهذا التوجه نحو الحكاية في مخاطبة الطفل، فلم يمكن قصورهم سوى استسلام للحالة بصورة عامة، وباتت التجارب التي كتبت للطفل مقتصرة على الكتابة للمناهج التربوية، كأن يجد أحد الباحث في سيرة كبار الشعراء أنه كتب عدداً من القصائد المفردة لأغراض تربوية تتعلق بكتب المناهج.يضاف إلى هذا الواقع إشكالية محورية وجذرية تتعلق بصورة الشاعر في الذاكرة الجمعية العربية، فلم تتحرر صورة الشاعر من ذهنية المتمرد، والمتفرد، والمتعالي، فمنذ الوقت الذي كانت فيه العرب تحتفل وتقيم الولائم لولادة شاعر جديد في قبائلها، ظل الشاعر العربي مأخوذاً بهذه الصورة حتى اليوم، بحيث صار من البديهي أن يجد في الكتابة للطفل تنازلاً وتواضعاً وخروجاً عن أناه العالية. يتأكد هذا التصور بالعودة إلى تاريخ القصيدة الموجّهة للطفل في الثقافة العربية، فلا تكشف الدراسات عن قصيدة للطفل في تاريخ الشعر العربي ألا ما ندر، الأمر الذي يحيل إلى أن القصيدة المكتوبة للطفل، ما هي إلا صنيعة غربية تشكلت مع مستويات النهوض المعرفي، وتطور آليات التعليم خلال المئة عام الفائتة. إلى جانب ذلك كله، لا يمكن الحديث عن إشكاليات كتابة الشعر للأطفال من دون الالتفات إلى صعوبة العملية بحد ذاتها من جهة، وصعوبة التواصل مع الأطفال بصورة عامة من جهة ثانية، فللطفل خصوصية في آلية التفكير، تجعل الوصول إلى مستوى لغوي من الشعر قابلاً للفهم والتذوق يحتاج إلى جهد كبير، يندر توفر من يتحمل عبأه.لا تكتمل الصورة الكلية لأزمة الشعر المكتوب للأطفال في ذلك السياق وحده، فالأزمة تسير في مسارين، ثانيهما الشعراء الأطفال أنفسهم، إذ عملت الصورة المتعالية في الثقافة العربية على تشكيل نماذج الشعراء الصغار بما يحاكي تجارب الكبار، واعتبار الأفضل منهم من يقترب إلى مستوى القصيدة الناضجة الموجّهة للكبار. جاء ذلك في إطار العناية المتواضعة التي تلقاها الشعراء الأطفال، خاصة أن كتابتهم غالباً تفتقر إلى الوزن المحكم، وتقترب من النص البريء، المنفلت من الأشكال المدرسية الجاهزة، الأمر الذي يبقيها قاصرةً في نظر العقلية العربية الأصولية.ولأن الحديث عن الإشكاليات ضمن منهج العلاقات السببية، فإن هذا الواقع لا يمكن فتح الباب كاملاً عليه من دون أن نضع بالحسبان، أن المنظومة التربوية العربية في المجمل تهدم اللامنهجي، والإبداعي، لحساب المنهجي والأكاديمي، وأن العائلة العربية بصورة عامة ما زلت حتى اليوم غير مدركة، وعارفة لمفهوم الإبداع، وآلية دعمه، فيصبح من الطبيعي أن تضيع جهود الأطفال ومواهبهم، وتتوارى في غياب دور الأسرة، والمدرسة معاً.

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

ملحق العدالة

mulhaq-preview

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
28°
32°
Wed
33°
Thu
الافتتاحية