Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

د. شوقي ضيف.. تلميذ عمالقة الكتابة

د. شوقي ضيف.. تلميذ عمالقة الكتابة
ادب وثقافة - 0:06 - 31/03/2016 - عدد القراء : 2201

على غرار أيام طه حسين يكتب د. شوقي ضيف سيرته الذاتية، تحت عنوان «معي»، حيث يتناول في هذه السيرة جانباً كبيراً من طفولته وصباه وشبابه، ويتحدث عن بدايات الوعي والتكوين الثقافي، الذي كان أغلبه يأتي من الصحف، حين كان يدرس في المعهد الديني بمسقط رأسه بمدينة دمياط، فقد أتاحت له هذه الصحف أن يتصل بالحياة الأدبية في مصر، وكانت تملك عليه عقله كتابات العقاد وهيكل وطه حسين، حيث كان الأخير يكتب عن أبي نواس ومجونه، ويذهب إلى أن عصره كان عصر مجون وزندقة، ما جعل كثيرين يثورون ثورة عنيفة ضده، لما تجره مقالاته من إفساد – في رأيهم – لأخلاق الشباب، إذ يتخذ من أبي نواس وغيره من شعراء المجون مقياساً للعصر العباسي الأول، معرضاً عما كان فيه من الزهد والزهاد والعلماء والفقهاء والمحدثين والنساك.تتحول المعركة من أبي نواس إلى التاريخ الإسلامي جميعه، وهل تُضفى عليه أسدال من الجلال، تحول بين عقول المعاصرين والنظر العلمي الصحيح فيه؟ ويذهب طه حسين إلى أن الأحكام التاريخية أحكام إضافية وليست أحكاماً مقدسة، ومن الممكن أن يظهر النقد العلمي خطأها، ولا يلبث مصطفى صادق الرافعي أن يرسل إلى صحيفة «السياسة» رسالة عتاب، مكتوبة بلغة مسجوعة محملة بزخارف المحسنات البديعية، وكأنما أراد أن يلقي بها في معسكر المجددين ليرى مبلغ تأثيرها فقال: «إن أسلوب الرسالة ربما راق القدماء، ولكنه لا يروقنا الآن لتغير الذوق الأدبي في مصر تغيراً تاما، فقد أصبح الأدباء المصريون لا يعجبون بالأسلوب المسجع المنمق، إنما يؤمنون بالأسلوب الحر الطليق من كل قيد والذي يلائم العصر والحياة الواقعة».كان شوقي ضيف يعجب بأسلوب هيكل الشفاف، وكذلك بالعقاد لقوة منطقه ووضوحه، وكان طه حسين أكثر منهما قربا إلى نفسه، ربما لأنه بدأ حياته أزهرياً مثله، ولما يمتاز به أسلوبه من سهولة ويسر ونصاعة، وكان هؤلاء الأربعة كثيراً ما يتحاورون في بعض المسائل الأدبية حواراً طويلاً فيحتل بعض حوارهم أو بعض مقالاتهم صفحة في الصحيفة اليومية، وهذا المناخ هو ما تربى فيه شوقي ضيف ثقافياً.يلتحق ضيف بكلية الآداب عندما كان لطفي السيد مديراً لها، وطه حسين عميداً لكلية الآداب ورئيساً لقسم اللغة العربية، لكنه كان يكن إعجاباً خاصاً بأحمد أمين، فكما يقول كان أمين «ينهي طلابه أشد النهي عن الجدل العقيم وما يحمل من مغالطات ويكثر أن طريقة الجدل اللفظي عند القدماء حلت محلها في العصر الحديث طريقة التحليل والاستقراء، ولعل هذا ما جعل الفتى شوقي ضيف فيما بعد يحرص على ألا ينزلق في مجادلة عقيمة لا تجدي نفعا، وجانب مهم فيه كان يعجبه هو ورفاقه وهو حسن انتقائه للنصوص التي تصور الفكر العربي الإسلامي وكأنما كانت لديه حاسة يلتقط بها أدق ما يقرأه وأروعه، وكان يألف الفتى ويوده مودة صادقة، وهي مودة ظلت تزداد مع الأيام دعماً وتوثقا».كان شوقي ضيف قد أخذ يقرأ في كتب النقد الأدبي الغربي، يدفعه إلى ذلك ما رآه عند طه حسين والعقاد والمازني وهيكل من آثار مطالعاتهم في تلك الكتب، فرأى أن يزود نفسه ببعض الزاد منها، حتى تتسع خبرته بالأدب ومقاييس نقده، وكان كلما سمع باسم كتاب من كتب هذا النقد اشتراه وعكف عليه يقرأه، وفي السنة الثالثة بكلية الآداب صمم على أن يكتب مقالات نقدية في الشعر على ضوء النقد الغربي الحديث.وتصادف أن كتب طه حسين مقالاً في مجلة «الرسالة» عن قصيدة «المقبرة البحرية» للشاعر الفرنسي بول فاليري، وأشاد بما في قصيدته من غموض، وانبرى كاتب عراقي يرد عليه قائلاً: «إن الغموض والجمال الفني لا يجتمعان في حين واحد، وأن الوضوح هو مرجع كل جمال في الشعر، ومن دونه لا يمكن أن ينعت بالجمال».ورد عليه شوقي ضيف بمقال عنوانه «حول الوضوح والغموض» أرسل به إلى مجلة «الرسالة»، وكان أحمد أمين هو الذي يراجع المقالات النقدية في تلك المجلة، وفوجئ شوقي ضيف به يقول له في مستهل إحدى محاضراته: «أنا قرأت لك مقالك عن الوضوح والغموض، وسينشر في العدد المقبل من مجلة الرسالة».كاد شوقي ضيف أن يطير من الفرح وهو يرى مقاله منشوراً في عدد اليوم الثامن من شهر يناير سنة 1934 ويقول: «كان شعوراً غريباً شعر به الفتى حين قرأ كلامه للمرة الأولى بحروف الطباعة، لقد كان معتاداً أن يقرأه مخطوطاً بقلمه، أما أن يقرأه مطبوعاً وفي مجلة أدبية ذائعة فإن ذلك حلم من أحلامه، وقد أبصره يتحقق، فينزل اسمه في فهرس مجلة مع طه حسين والعقاد وأحمد أمين ونظرائهم».يحكي شوقي ضيف حكاية طريفة قائلاً: كان كثيرون ينادون بعد سقوط حكومة (إسماعيل) صدقي الطاغية بما ينبغي للعقاد من تكريم، وأقيم له في أواخر شهر أبريل حفل تكريم في مسرح الأزبكية برئاسة مصطفى النحاس، وفيه خطب طه حسين خطاباً صحفياً مشيداً بشاعرية العقاد، وأنه بفضله لم يرتحل بوفاة شوقي وحافظ إبراهيم سلطان الشعر عن مصر، ولم يلبث أن أعلن مبايعته له بإمارة الشعر العربي المعاصر قائلاً: «ضعوا لواء الشعر في يد العقاد وقولوا للأدباء والشعراء استظلوا بهذا اللواء فقد رفعه لكم صاحبه».في العام الدراسي الأخير بكلية الآداب كان طه حسين يحاضر لشوقي ضيف ورفاقه في كتابين قديمين هما «نقد النثر»، الذي كان منسوبا خطأ إلى قدامة، وكتاب «الموازنة بين أبي تمام والبحتري» للآمدي، وكان هناك كتاب ثالث هو «تاريخ الأدب الإنجليزي» اختار مقدمته فقط ليدرسها للطلاب.تبدو صورة طه حسين لدى شوقي ضيف على هذا النحو: «لم يعرف الفتى محاضرا شد إليه الأسماع وجذب إليه القلوب كما عرف ذلك عند أستاذه طه حسين، فقد كانت محاضراته وصوته فيها مهوى الأفئدة وكان أحيانا يلقيها بالجمعية الجغرافية أو بقاعة إيوارت في الجامعة الأمريكية، فكنت لا تجد مكانا لا للجلوس فحسب، بل أيضا للوقوف».في الامتحان الشفوي بالسنة النهائية كانت اللجنة مؤلفة من طه حسين وأحمد أمين، وتخرج ضيف في الجامعة سنة 1935 وزار طه حسين في بيته، فهنأه على التفوق وسأله: عن أي عمل تريد أن تعمل فيه؟، ثم اتصل هاتفيا بمدير إدارة المطبوعات بوزارة الداخلية ليدبر له وظيفة، لكن طه حسين قد سافر إلى أوروبا في إجازة الصيف المعتادة، وكانت البلاد تمر بأزمة اقتصادية خانقة، ولم يكتب لضيف أن يعين في الوظيفة المبتغاة، لكنه عين فيما بعد في مجمع اللغة العربية، وفي العام الدراسي 1936/‏1937 انتخب طه حسين عميداً لكلية الآداب ورأى أن تأخذ الكلية بنظام المعيدين لأول مرة في تاريخها الجامعي، وكان شوقي ضيف ممن وقع عليهم الاختيار في قسم اللغة العربية بالكلية.أنجز شوقي ضيف رسالتيه العلميتين، واختتم سيرته الذاتية بلقطة دالة، حين قال عن يوم مناقشته الدكتوراه: «في أثناء تلخيص الشاب لرسالته حانت منه التفاته فوجد أباه الشيخ واقفا مع عشرات من الطلاب مكدسين في مدخل المدرج، ولم يكن أنبأ أباه بيوم امتحانه، غير أنه قرأ الخبر في الصحف صباحاً فسافر إلى القاهرة تواً، واتجه إلى الجامعة، فسمع ابنه وهو لا يزال على أبواب الجامعة الخارجية يلقي تلخيص بحثه».

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

ملحق العدالة

mulhaq-preview

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
23°
36°
Sat
34°
Sun
الافتتاحية