Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

فكرة المعاناة

فكرة المعاناة
ادب وثقافة - 2:46 - 17/09/2015 - عدد القراء : 2866

تُعد فكرة المعاناة في الإنتاج الفني الإبداعي من المواقف التي تشتد حدتها على الشاعر الأصيل حين يريد أن يترجمها على الورق ويحولها من هاجس شخصي إلى معاناة جماعية لكل أفراد المجتمع، ومن ثم يتخذها شعوب العالم درساً إنسانياً عاماً وتصبح فيما بعد قضية مُشتركة لبناء عالم خال من الاضطهاد الطبقي أو العرقي.كان الشعراء العرب في العصر الحديث هم من فسَّروا المعاناة على طريقتهم الخاصة ووفقاً لأهدافهم وثقافاتهم والتوجهات أو الانتماءات التي يميلون إليها.فإذا كان الشاعر العربي ماركسياً تبدأ معاناته بمعانقة معاناة الطبقة العاملة في بلده حتى لو لم يكن بلده صناعياً فالمهم عند هذا الشاعر أن يتظاهر بالماركسية لأنه يعتقد انها فكرة سوف تقوده إلى الحرية والمساواة وبالتالي تجد في أشعاره الكثير من الشعارات البراقة والكلام الحماسي وكلما أكثر من الهذيان انتظر التصفيق الحاد لكنه في نهاية المطاف يكتشف ان ما كان يقوله أو ما يُعانيه مُجرد انقلاب غير عقلاني باسم المعاناة وثقافة كان يُريد أن يتقمصها فينكسر من الداخل فتتحول مثل هذه المعاناة إلى هراء.إن الشعر الحقيقي لا ينبت في أرض جرداء أو مُحاطة بالقوات الاختصاصية أو الاحتياطية أو المُلقنين والمصححين اللغويين ودارسي الموسيقى والبحور ولو كان لهذا الشعر من حياة أن يتواجد في القلوب والأفكار لكنه بلا معاناة ولهذا تجد أكثر هذا الشعر في أوراق خيالية ومصقولة لكنها تسير إلى مُستقبلها المعروف في صناديق القمامة.علينا أن نُدرك ان المعاناة وإن كسبت الخبرة فالكثير من الخبرات تبدو مزيفة ولهذا ما كان يعانيه المجتمع الطبقي الصناعي غير ما يعانيه المجتمع الذي لا يعيش على فكرة التصنيع والفارق كبير بين أن تصنع لمجتمعك أو تصنع لفئة المُستغِلين لكن في معظم البلدان العربية لا يمكن أن تنمو الفكرة الماركسية لكون تلك المجتمعات تفتقد أرضية الفكرة الصناعية وبالتالي يكون الشعر بلا معاناة عامة لكن يمكنه أن يكون ذا شحنات خاصة فيكون الإنتاج مُعبراً عن معاناة الرفاهية التي تولد في القصور وفوق المقاعد المخملية والكراسي الوثيرة.إن الشعر لا يمكن أن يُنتج لمن يعمل ماسحاً للأحذية أو فراشاً أو مُنظفاً للسيارات أو أي عمل في المجتمعات العربية التي تفتقد البنية الصناعية والطبقة العاملة وفي المناطق التي كانت تعتمد على صيد اللؤلؤ لا تسمى هذه طبقة عاملة إنما فئة أجيرة والفارق كبير بين من يصنع ومن يُؤَجَّر لكن في الدول الصناعية يختلف الأمر لأن تلك الطبقة أساسية بينما في معظم المجتمعات الوطن الوطني ما هي إلاَّ فئة لا علاقة لها بالتصنيع.هناك البعض من شعراء الوطن العربي اكتشفوا حقيقة المعاناة فلم يمثلوها ومن ضمنهم الشاعر العراقي بدر شاكر السياب وكانت وفاته مُفاجأة لعشاق الشعر حتى ان الشاعرة نازك الملائكة آمنت بأن التجربة والمعاناة غير مرتبطة بالمسرحية الصناعية فالشعر في نظرها أسمى من أي فن لأنه يصدر من قوة ذاتية لها علاقة بالروح ولا ترتبط بأي حزب سياسي أو طبقي صناعي.إننا أمام فكرة ذات أبعاد كثيرة تحتاج من الدارسين أن يُولوها اهتماماً خاصاً لأننا في الوطن العربي نخلط بين الكثير من المفاهيم السياسية والثقافية والصراعات الطبقية وتكون الغلبة للأقلية الأضعف بينما الأكثرية البشرية الأقوى لا تمتلك غير سلاح اللغو والثرثرة التي رسَّخها الفهم الخاطئ لشعر المعاناة وكما هو الحال مع الثرثرة في كل أمور الحياة اليومية.إن معظم الشعراء العرب بما فيهم (ذوي الاحتياجات الخاصة) أدركوا ان ما قدَّموه من إنتاج شعري ذهب في مزابل التاريخ لذلك رأوا ان نهج (المعاناة) ما هو إلاَّ انتكاسة ثقافية أُجبروا على محاكاتها وتمثلها في زمن ما ومن ثم صارت سُلما من نجح في صعوده وصل إلى مرحلة التقاعد الإبداعي وحوَّل فكرة المعاناة إلى مجرد كلام كُتب على السبورة السوداء بالطباشير البيضاء.مَن مِن الشعراء العرب الذين يعانون اليوم؟!.إن المعاناة كما أسلفت في التطرق إليها كانت سياحة ثقافية ماركسية والذين قادوا فكرة الشعر العربي نحو هذه الفكرة وأبعدوه عن حقيقة الصراع وجوهره هم من كسبوا بينما الذين توقفوا ولاذوا بالصمت يُعدُّون على أصابع اليد الواحدة ومُعاناتهم السيكلوجية تُفتت الجبال وهم ينتظرون مُنقذ الشعر لأن في الشعر الذي لم يُنتج قصائد لم تُولد بعد.

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

الطقس في بغداد

بغداد
24°
26°
الجمعة
27°
السبت

استبيان

الافتتاحية