Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

في ذكرى تورجينيف.. العدمي المستنير

في ذكرى تورجينيف.. العدمي المستنير
ادب وثقافة - 2:45 - 17/09/2015 - عدد القراء : 1048

“صراع الأجيال” و“العدمية” معًا، قد احتلا مساحة سردية غير قليلة  قبل قرن من الزمن، وتحديدًا على يد كاتب روسي واحد هو “إيفان تورجينيف”، ذلك الكاتب الذي شُغل في كتاباته بإثارة أكبر قدر من الأفكار والمبادئ التي يحاول لفت نظر المجتمع إليها، تمهيدًا لإعادة النظر بها في أطر سردية متباينة، وحبكات درامية جاذبة، مع تشريح عميق للنفس البشرية المعقدة، بيد أنه كان دائم التعاطف مع مختلف فئات المجتمع، ورغم ذلك كانت تغلب على كتاباته روح التشاؤم والحزن.اتضح الحزن جليًا في روايته الأشهر “آباء وأبناء”، هذه الرواية التي ترجمت إلى العدد الأكبر من اللغات. معًا في ذكراه نفتش عن ذلك الكاتب العدمي المثير للجدل وعن تنشئته، ونستعرض أهم كتاباته.نيكولاي: مصطلح نيهليستي على ما أظن مشتق من الكلمة الأثينية نيهيل، أي لاشيء أو عدم، وبالتالي فإن هذه الكلمة تعنى إنسانا يرفض كل شيء.أليس كذلك؟الأصح: لا يحترم شيئا – عقب يافل بتروفيتش وتابع وضع الزبدة على الخبز، فقال أركادي:انه الإنسان الذي يعالج كل شيء من وجهة نظر انتقاديه .أفليس ذلك سواء ؟ سأل بيتروفيتش.كلا ليس سواء فالنهليستي هو الإنسان الذي لا يطأطئ رأسه أمام أية شخصية مرموقة ولا يتقبل أي مبدأ دون تمحيص مهما كان الاحترام الذي يحظى به ذلك المبدأ.ثم ماذا؟ فهل ذلك شيء حسن؟هذا أمر يتوقف على الأشخاص يا عمي، فهو قد يعود على البعض بالخير وقد ينقلب على البعض الآخر شراً مستطيراً.هكذا إذن هذا أمر لا يعنينا، على ما أعتقد، فنحن أبناء الجيل السابق نتصور أن من المستحيل القيام بخطوة واحدة أو حتى التنفس بدون مبادئ، المبادئ المقبولة.”نشر تورجينيف “آباء وأبناء” في العام 1862، أي خلال حقبة من الزمن كانت الرواية الروسية تعيش فيها ذروة ازدهارها، وفي فترة كانت فيها الصراعات الاجتماعية مستشرية، وروسيا، مجتمعاً ومثقفين، تبحث عن دروب جديدة وقد راحت الأفكار الثورية – الاجتماعية والسياسية – من غرب جرى الانفتاح عليه حديثاً، تغزوها. ومن المؤكد أن هذا الظرف بالذات هو الذي ساهم في خلق السجال الفكري حول الرواية، رامياً قيمها الفنية إلى الصف الثاني من الاهتمام.أثارت “آباء وأبناء” ضجة كبيرة حين صدرت، وطوال عقود تالية، وسببت قدرًا كبيرًا من السجالات خصوصًا أن تورجينيف، الكاتب المشاكس، لم يقف فيها تمامًا كما كان يمكن أن يتوقّع منه، إلى جانب أبناء الجيل الجديد في صراعهم مع الأجيال السابقة، بل رمى نحوهم سهام نقده الحادة، واقفًا -بشكل أو آخر-رفي خندق الجيل الأكبر سنًا، ولو لمجرد رفضه تصرفات الشبان المتهورين.والحقيقة أن هذا الجانب من الرواية هو الذي استأثر بمعظم المناقشات، ورفض من البعض فيما قُبل من البعض الآخر، بحيث أن غطى هذا النقاش على نقاط أخرى في الرواية ذات أهمية فقد كانت الرواية حافلة بالتجديدات الحداثية، ومنها قدرة الكاتب على سبر أغوار النفس البشرية لدى شخصياته الرئيسة، وجعل الأبعاد السيكولوجية جزءًا أساسيًا من فن السرد الروائي، حيث إن التصرفات والأفعال وردود الأفعال تأتي في الرواية مستجيبة للبعد النفسي للشخصيات. بل إننا إذا شئنا الدقة يمكننا أن نقول أن هذا هو المهم  في الرواية، أما حبكتها فقد تبدو لنا اليوم كلاسيكية بسيطة في أحداثها وخالية من أية مفاجآت.
لمَ لا تريد للنساء أن يتمتعن بحرية الفكر؟!‏
– ذلك، يا أخي، لأني لاحظتُ أن القبيحات وحدهن يفكرن بحرية، ومن يعرف المزيد تداهمه الشيخوخة قبل الأوان‏.
من روايته ” أباء وأبناء”
في هذه الرواية يقدم تورجينيف الصراع التقليدي بين الآباء والأبناء، صراع الأجيال، وتنوع القيم، وظهور المكتشفات الجديدة، وفضلًا عن ذلك صراع الحماسة مع الخبرة، والقوة مع العقل، والتقلبات الدافعة مع التأنيات الواثقة، واختار تورجينيف أن يكون الأبناء من حملة الفكر العدمي، وأن يكون فكر الآباء أرستقراطيًا متعاليًا على النمط الروسي، ورغم أن تورجينيف نفسه ينتمي إلى الأرستقراطية الروسية إلا أنه حاول أن يقدم الفكر العدمي بطريقة متوازنة، أثارت عليه لاحقًا نقمة الشباب الذين اتهموه بأنه أساء تقديمهم إلى المجتمع الروسي، والمحافظين الذين اتهموه بالتساهل مع فكر منحرف على حساب الدين والدولة والمجتمع في وطنه، تساقط النقد على الرجل من الجهتين حتى اضطر إلى الهجرة إلى الغرب الأوروبي بعد نشر الرواية مباشرة.تمتاز “أباء وأبناء” أيضًا بقدرتها على توضيح المذهب الفلسفي في إطار أدبي، وخلق توازن جميل بين شخصيات العمل الروائي، وهي تقدم صورة للمجتمع الروسي الذي كان إرهاصًا لثورة 1917 الشيوعية، كما أنها ضمن أفكار أخرى دعوة إلى إلغاء الطبقية في المجتمع عبر وصف الصلة المقطوعة بين هذه الطبقات، والمآسي الكثيرة التي عانت منها طبقات الخدم والفلاحين بسبب قسوة هذا النظام.وقد ولد المستنير “تورجينيف” عام 1818 في أملاك العائلة قرب أوريل، وكان سليل أسرة روسية عريقة، درس لسنة في جامعة موسكو ثم في جامعة سان بطرسبرغ ثم أرسل إلى برلين عام 1843، وتلقى تعليمه المنزلي من معلمين ألمان وفرنسيين، فكان تعليمه في مجمله أجنبيًا، وكانت أمه لا تتحدث الروسية إلا مع خدمها.أنتج تورجينيف عمله الأول الكامل بعنوان “مذكرات صياد” حيث وصف فيه حياة الفلاحين الروس البائسة بواقعية شديدة، وظهر لأول مرة عام 1852 بشكل مقتطفات، وقد قرأ العمل العديد من مختلف الطبقات، بمن فيهم الإمبراطور، وقد ساهم العمل في إلغاء نظام الرق أو العبيد. كان تورجينيف دومًا متعاطفًا مع طبقة الفلاحين، وكثيرًا ما عانى من أمه التي كانت امرأة متسلطة ومتزمتة، وكثيرًا ما صورها أيضًا في أعماله.كان عمله الآخر هو رواية بعنوان “بيت النبلاء”، والتي زادت من شعبيته كثيرًا، ثم أتبعها برواية أخرى بعنوان “في المساء”. وفي عام 1862 كتب رواية “الآباء والبنون” التي وصف فيها الأفكار العدمية، أما في 1864 فكتب رواية “الدخان”، وفي عام 1877 كتب آخر أعماله الطويلة وهي “الأرض العذراء”، كما نشر قصصًا قصيرة حلل فيها نفسيات شخصياتها، مثل “رودين” و”يوميات رجل زائد”، وغيرها.يقول الكاتب:“ليست هناك مبادئ إطلاقًا، بل هناك الإحساسات، وكل شيء متوقف عليها”.سلط تورجينيف لنا الضوء على تناقضات المجتمع، وواجه الظلم الواقع من البشر على البشر، كما غاص بنا في خضم الصراعات الخفية للعالم الأرستقراطي والذي ينسحب بدوره على كل المجتمعات الأرستقراطية حتى الآن، دون أن يدري أنه سيثير جدلًا لن ينتهي بوفاته، فهو جدل يتجدد مع تعاقب الأجيال.

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

ملحق العدالة

mulhaq-preview

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
37°
32°
Sun
32°
Mon
الافتتاحية