Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

مثقفو الوصايا وأوهام التاريخ

مثقفو الوصايا وأوهام التاريخ
ادب وثقافة - علي حسن الفواز - 0:16 - 06/09/2015 - عدد القراء : 921

البعض يذهب إلى تضخيم لعبة التدبّر باللغة، وإلى وضع هذه اللغة في خدمة درسه التعليمي أو التوصيلي والخدماتي، ويتغافل عن وظيفتها التفاعلية، وعن حيوية جسدها النصي وما يمكن أن يتعرّض له من تغايرات وإزاحات، حدّ تعويمه لأي قناعة بكل ما أنجزه السيد دوسوسير، والشكلانيون الروس وبلموفيلد وبيرس ورولان بارت وغيرهم، ولا تنتهي بالطروحات الاستثنائية مدارس لجماعات براغ وفرانكفورت وغيرها، حتى باتت الكتابة الثقافية نوعا من المهارة الإنشائية التي يستعرض من خلالها الشغف بالتاريخ والفحول من الشعراء والروائيين، ولا همّ له بكل ما أصاب الجسد والفكرة والمعنى والجنوسة، ولا حتى بكل المتغيرات التي زحفت على النص والتاريخ والإنطولوجيا، ووضعت السؤال الثقافي نقديا كان أم جماليا أمام فضاء صاخب بالمفارقات..كيف يتعامل هذا البعض مع الفكرة الثقافية، ومع طبيعة متغيراتها وعلائقها بالمعنى والشكل، وإلى أي مدى يمكن أن ينشغل باستعمالاتها وبمناهجها؟ وهل يُعقل أن يقول أحدٌ ما – الآن- بأن المتنبي هو شاعره الأوحد، مثلما أن زرياب هو مطربه الأوحد، وأن ابن قتيبة الدينوري مؤرخه وصاحب سردياته، وأن دنانير هي غانيته المفضلة؟ هل هناك جدوى ثقافية حقيقية من إعادة قراءة وتوصيف وتقويم موقف أبي تمام الشاعر من الحداثة والفهم، وموقف المرزوقي في نظرته للعمود أو للعصا؟هذه الأسئلة تختصر الكثير من بعض مظاهر المفارقات الثقافية، ومن بعض الدروس (الميتا أكاديمية) والتي يمارس طقوسها عدد من أساتذتنا الأكاديميين، حتى بتّ أتوهم وكأن تدبيج هذا البعض للمقالات الثقافية التي يكتبها صار أشبه بتدبيج درسٍ إملائي في فصول الجامعة وفروضها التعليمية.. كما أن هذه الأسئلة تثير حول جدواها جدلا يستفز العقل الثقافي، ويحرّضه على إنتاج المزيد من الأطروحات الفكرية والنقدية، التي لا تعني- بالأساس- تدخلا في المزاج الكتابي لأحد، لأن الناس أهواء ومشارب، لكنها تنكشف في جوهرها على واقع ثقافي يحتاج للكثير من المراجعة، ويفترض مواجهة صياغاته وآرائه في خضّم صراعنا الوجودي المحتدم مع جماعات المتحف والقاموس، وكذلك في التعاطي اللازم والقار مع ما يتساقط على رؤوسنا العربية من أفكار تشبه الحجر، وما يتسلل إلى قمصاننا من خطايا يختلط فيها المحرّم بالمقدس، والمخرّب بالمضلل، وبكل ما يمكن أن يحمله نسق القبحيات من ارتكاسات لمتون تهدد اللاوعي الجمعي في النص والرأس والدرس والأصابع..لا أريد أن أسمّي، لكن غابة الصحافة الثقافية العربية في بعض بلدان المال يكشف عن هذه (التصاميم) الثقافوية، التي لا شأن لها بالقيمة الفكرية والتعبيرية، وطبيعة الإضافة والكشف، بقدر اهتمامها بـ(الأسماء الرنانة) التي أكلت العنب والحصرم وتركت للآخرين وظيفة التضريس! والأدهى من ذلك أن هذه الغابة الثقافية الافتراضية تحولت ألى(محمية طبيعية) لا يحق لأحدٍ من الأولاد الخارجين من حروب الأمة، ومن توحّش خطابها أن يدخل أسوارها، وألا يحظى بعطايا أصحابها الذين يصنعون لنا (لاوعيا طبقيا) قهريا وضاغطا على صناعة مشهد آخر، ورؤى أخرى تملك شهوة التجديد والبحث عن المغاير..
تكريس فكرة (الغابة) يزيد من قسوة التوحش الثقافي، والاغتراب الثقافي، ويهمّش الوظيفة العضوية التي يمكن أن تجاهر بها الأجيال الجديدة، وأن تعلن سؤال وعيها الضدي إزاء تراكم غرائبي لوعي عربي كسول وعاطل ومعطوب، فقد قدرته على المواجهة، وعلى تغيير قواعد اللعبة التي لم تعد القصيدة فيها صالحة لرمي الحجر، ولا القصة والرواية تملكان شرْطَيّ المكوث والتجاوز، أو ربما القدرة على النبش المسؤول في التاريخ، وإعادة هيكلتنا، فنحن أمة ابتليت بتاريخها، حتى صار لعنة عليها، مثلما صار بيتا للأشباح على طريقة إيزابيل الليندي، وسيركا للكثير من المهرجين الذين يقنّعون المعرفة والوعي والسؤال والخطاب..
عطالة المثقف أمْ عطالة المؤسسة..
ثمة من يقول بأن المثقف العربي ليس بطلا، لأن السلطة أقوى منه دائما، وأن عمله خارج السلطة والتصرف بحرية بعيدا عن السياقات! سيُعرّض حياته للخطر والمحو، لذا بات الحديث عن المؤسسة بوصفها قوة للجماعة الثقافية، أو للنظام الثقافي، وأن التحصّن بها قد يكون حمائيا، كما أن برامجها قد تكون أكثر قدرة على النفاذ، وعلى استجلاب رضا السلطة.. لكن السؤال المرّ في هذا السياق، ما هي هوية هذه المؤسسة؟فهل ستكون هوية للسلطة ذاتها، أم لجماعة بعينها، أم لرأسمال وطني أو شركاتي وجد في الفرجة الثقافية مجالا للإشباع النفسي، والتعويض الاجتماعي أو الوجاهة المفقودة؟بقطع النظر عن الإجابة المحددة، فنحن بحاجة إلى عمل مؤسساتي تدعمه الدولة بوصفها تملك المال العام، وأن الرهان على الأسماء الثقافية سيكرس الديكتاتوريات والأبوات الفرويدية التي تحدثنا عنها بدءا! كما أن العمل المؤسساتي سيتيح مجالا للحوار والتنوع وتعدد الآراء التي لا تخضع بالضرورة الكاملة لخط واحد، حتى إن كان تمويليا..ما تحتاجه هذه المؤسسات هو التخطيط، وتعزيز جهد صناعتها الثقافية بمراكز البحوث، ومراكز الاستبيانات، لمعرفة بؤر التوتر الثقافي، ومؤشرات الهبوط في الأسواق الثقافية- التعليم المعرفي، التعليم الرقمي، صناعة الكتاب، استهلاك الكتاب، الترجمة، وغيرها- فضلا عن فعالية هذا التخطيط في شرعنة برامج دفع عجلة التنظيم لترسيخ قيم ثقافية عربية بمواجهة اغترابات باتت مرعبة، ووسط نكوص قيمي خطير وقامع، وجهالة تتكئ على التاريخ لوحده، وكأنه هو مركز أمني لحماية العقل من لصوص الحداثة، أو ما يسمى عند البعض بـ(الغزو الثقافي) مع يقيننا بأن التحصين المعرفي وتأهيل القوى الثقافية بالمعرفة هو الوحيد الذي يحمي العقل من اللصوص الذين نعرف سحناتهم ولغتهم جيدا..
العودة إلى وهم التاريخ..
لا أظن أن التاريخ المكرس في قراطيسنا سيكفي لإعطاء المثقف العربي حصانة قومية ولسانية، ليس لأن لصوص اليوم لا يشبهون لصوص الأمس، وأن مستشرقي اليوم لا يشبهون مستشرقي الأمس، بقدر أن العالم ذاته لم يعد أفقيا، وأن مفهوم (القرية الكونية) صار قريبا من أسرتنا، لكن الخلاف حول كيفية التموضع والسكنى داخل هذه القرية، لذا لا أجد أن عودة أصدقائنا للاستعانة بسحرية المتنبي، ولا بغواية دنانير وزرياب ومعرفية ابي تمام ونمطية المرزوقي كافية لإحداث فعل الشبَع النرجسي العروبي، والتوهم بنزعة الامتلاك، أو حتى حيازة القدرة على ممارسة صناعة الوصايا من دون مراقبة أو دون حساب، والمكوث في(حصانة) الدرس الجامعي بوصفه الدرس الذي لا يطاله النقد من فوق أو تحت!

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

الطقس في بغداد

بغداد
23°
28°
السبت
28°
أحد

استبيان

الافتتاحية