Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

نحن والآخر في رواية «نسكافيه مع الشريف الرضي» للعراقية ميادة خليل

نحن والآخر في رواية «نسكافيه مع الشريف الرضي» للعراقية ميادة خليل
ادب وثقافة - علي كاظم داود - 0:26 - 08/03/2016 - عدد القراء : 2061

يعد موضوع العلاقة مع الآخر الغربي من الموضوعات المهمة في التمثيل السردي الروائي العربي، فبعدما شهدت الرواية العربية تمثيلات لهذه العلاقة قائمة على التوتر الثقافي بين الشرق والغرب تعيد للمتلقي ذلك التعارض بين القطبين، كما أشار عبد الله إبراهيم في «موسوعة السرد العربي»، عند تناوله لرواية «موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح، نجد الرواية العربية الجديدة تجاوزت ذلك التوتر والتعارض إلى مساحةِ تلاقٍ وانسجامٍ وتعايشٍ، تتأسس على مقولة حوار الحضارات وتقارب الثقافات، ومنطلقاتها إنسانية تفاعلية وتواصلية وتعارفية. من هذا المبدأ تنطلق رواية «نسكافيه مع الشريف الرضي» للكاتبة العراقية المقيمة في هولندا ميادة خليل الصادرة حديثاً عن منشورات المتوسط، لترفع قواعد بنيانها الروائي على أسس إنسانية، تهدف إلى التعرّف على الآخر وفهمه والكشف عن طبائعه وسلوكياته وأساليب تعامله مع الطرف المقابل. تمنح الرواية مهمة اكتشاف الآخر لنموذج مختار من ذلك العالم، وهو «دافيد» الذي يقوم بسرد ذكرياته والأحداث المؤثرة في حياته والشخصيات التي لها الحضور الأهم فيها. ومن بينها علاقته بـ «سلمى»، الشابة العراقية التي هاجرت إلى أوروبا لإكمال دراستها، لكن خشية والدتها عليها، بسبب ميولها السياسية المناهضة للسلطة الحاكمة في السبعينيات من القرن الماضي، دفعتها للإلحاح عليها بأن تستقر هناك، وهو ما قامت به فعلاً. يسرد «دافيد» ظروف لقائه بـ «سلمى»، وتعرفه عليها، ومن ثم بعد مدة زواجه بها واستقرارهما في هولندا. هذه العلاقة تجسد لوناً من ألوان التلاقي الحضاري والثقافي، أساسه أولوية النظرة الإنسانية إلى الآخر، وتقديم المشاعر والروابط الجامعة بين بني البشر، واستبعاد الفوارق والاختلافات التي لا تنبع إلا من نظرة عنصرية ضيقة.نتعرف على «دافيد» من خلال بطلة الرواية وساردتها الأولى، واسمها «آمنة» وهي سيدة عراقية مهاجرة تبلغ من العمر خمسين عاماً، تقيم وحيدة في هولندا، في البناية نفسها التي يقطنها «دافيد»، الذي تقوم «آمنة» بالكشف عن بعض تفاصيل قصة حياته، لكن بعد انتحاره، فلم تكن تعرف عنه شيئاً قبل ذلك. يثير هذا الوحيد المنعزل فضولها بعدما تعثر على ديوان الشريف الرضي في بعض الأغراض المستخرجة من شقته، فما الذي جاء بديوان شاعر عربي قديم في شقة شخص هولندي؟ تبين الرواية بعد ذلك أن الديوان وصل إليه من خلال زوجته العراقية المتوفاة قبل سنوات. يتخذ ديوان الشريف الرضي، ابتداءً بالعنوان، خلفية نصية لتأثيث عوالم الرواية، خصوصاً ما جاء فيه عن الفراق والفقد والهجر والاشتياق، وهي المعاني المعروفة في قصائده الحجازيات. بعد انتحار «دافيد» تلاحق «آمنة» تفاصيل حياته، التي يقوم بسردها بنفسه في خط سردي موازٍ، وبذلك نجد تعدداً في الأصوات داخل الرواية، كل منهما يعبّر عن عالمه الخاص والمختلف، ويرصد الأحداث من وجهة نظره التي نحتتها ثقافته الشخصية وقيمه الاجتماعية التي نشأ عليها. نلمس لدى «دافيد» ذات النوازع الذي يدفعه للتعرف على الآخر، فيقول: «أحياناً أظن أن سبب افتتاني بسلمى هو كونها مختلفة تماماً عني، أردت الدخول إلى عالمها الذي لا أعرفه والهروب من كل شيء أعرفه». فمثلما نبحث عن المجهول والغامض والمختلف ونحاول الكشف عنه في الآخر الغريب عنا، يجب ألا نستبعد أن يقوم الآخر بذلك أيضاً بطريقته الخاصة.تعرض الرواية لموضوعات وقضايا أخرى تخص العالمين الغربي والعربي، ممثلين بهولندا والعراق، لكن بإيجاز وبإشارات مختصرة موظفة بإتقان في غضون السرد، كقضايا النسوية والتعامل الأبوي، والتصفيات السياسية وما تركته من مآسٍ اجتماعية ومخاوف، والحرب وما جرّته على البلاد من ويلات، ومن ثم الحياة في المنفى بعدما تحول الوطن إلى سجن كبير لا خلاص إلا بالهرب منه، فلم يعد يصلح إلا للموت فيه، ولم يعد صالحاً للحياة. «كان يتمنى العودة إلى العراق. أريد أن أموت بين أهلي. كان يقول ذلك كلّما جاءت نتائج العلاج سلبية». هكذا تتمثل الرواية انشطار الإنسان العربي، والعراقي خصوصاً، بين الحنين إلى الوطن والأهل، وبين صعوبة البقاء والعيش معهم، بما لا يقارن بالحياة في الغرب. ففي الوطن يشعر الإنسان بأن حياته مهددة دائماً، وقد تنتهي في أي لحظة، أما بتهمة سياسية، أو في الحروب، أو ما تلاها من إرهاب وفوضى. لكن «آمنة» تقرر أخيراً العودة إلى الوطن نهائياً؛ ربما لأنها لم ترد الموت وحيدة وغريبة مثل «دافيد»، ففي تلك البلاد «كل يوم مثل كل يوم حتى تنتهي السنة» كما تقول، وحتى تنتهي الحياة أيضاً.ترصد الرواية، أيضاً، وقائع يومية دالة، تتمثل مكانة الفرد والعائلة والعلاقات بين الأقارب والجوار، من خلال سرد حيوي مفعم بالفعل والحركة والمشاهد والأحداث المتنامية، مما يغذي النزعة الدرامية التي تمتاز بها الرواية، بالإضافة إلى لغتها الموجزة والرشيقة والخالية من الإنشاء والفبركات البلاغية المتعالية على القارئ.

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

ملحق العدالة

mulhaq-preview

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
36°
36°
Sat
37°
Sun
الافتتاحية