Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

الألقاب عند العرب.. أحجية للتخلص من الفأل السيء

الألقاب عند العرب.. أحجية للتخلص من الفأل السيء
ادب وثقافة - 1:09 - 18/02/2016 - عدد القراء : 1151

تتطلّب دراسة دلالات الأسماء لدى العرب وعلاقتها بثقافتهم ومعتقداتهم قبل الإسلام وبعده مؤلفا كاملا، ولكن ما يمكننا الانشغال به في هذا المقام هو الأسماء الطريفة منها والنادرة التي انقرض معظمها والتي لها علاقة ببيئتهم. من أفضل المصادر العربيّة القديمة التي نجد فيها قاموسا للأسماء من هذا النوع هو كتاب الحيوان للجاحظ الذي عدّد فيه أسماء الحيوان التي أطلقت لدى العرب على الإنسان.
حياة البشر لم تكن بعيدة عن اسمائهم
يقول الجاحظ: والعرب إنّما كانت تسمّى بكلب وحمار وحجُر (جمع حجَرٌ أي الأنثى من الخيل) وجُعل (ضرب من الخنافس) وقرد على التفاؤل بذلك وكان الرجل إذا وُلد له ذكر خرج يتعرض لزجر الطير والفأل، فإن سمع إنسانا يقول ذئبا، تأوّل فيه الفطنة والخبث والمكر والكسب، وإن كان حمارا تأوّل فيه طول العمر والوقاحة والقوّة والجلد وإن كان كلبا تأوّل فيه الحراسة واليقظة وبعد الصوت والكسب وغير ذلك…ثمّ يمضي الجاحظ في تعداد الأسماء التي يبدو بعضها اليوم غريبا أشدّ الغرابة “أنّ العرب قد سمّوا كذلك بليث وأسامة وضرغامة وتركوا أن يسمّوا بسبع وسبعة وسبع وهو الاسم الجامع لكلّ ذي ناب ومخلب كما نراهم يسمّون الرجل جملا ولا يسمونه بعيرا ولا يسمّون المرأة ناقة ويسمون الرجل ثورا ولا يسمون المرأة بقرة، ويسمون الرجل حمارا ولا يسمون المرأة أتانا ويسمون المرأة عنزا ونعجة ولا يسمونها شاة… والمرأة تسمّى كبشة وكُبيشة والرجل يُكنّى أبا كبشة.قال أبو قردودة ينشد شعرا (هزليا) “كُبيشة عرسي تريد الطلاقا وتسألني بعد وهن فراقا”. لقد انقرضت اليوم معظم أسماء الحيوان التي تُطلق على الإنـــسـان عــــلى المستوى الفرديّ ولكنها صمدت جماعيّا، أي ألقابا وتسميات لعائلات نذكر منها الصيد (الأسد) والذئب والغراب والحمام والعلّوش (الخروف) والبركوس (على مشارف الكبش) ومعيز وأحيانا في صيغة التصغير والتلطيف “البهيّم” أي (الحمار) والبغيل والكليب والطوير.
التسمية تأتي مطابقة لا للمسماة، ولمن سماها ولمن يناديها فحسب، بل لنمط حياة هؤلاء جميعا
أمّا عن الأسماء المستوحاة من البيئة في العصر الحديث والتي لها علاقة بنمط العيش، فإنّ ما يلفت الانتباه هو ما كان يُطلق منها منذ عقود مضت على الإناث في المناطق الجافة والأقلّ حظّا من المطر الموجودة على تخوم الصحراء في المغرب العربي وهي أسماء أصبحت نادرة، ندرة المطر لديهم مثل “امطيرة” تصغيرا وتأنيثا الغاية منه تربيج المطر العزيز والتغنّي به و”نوّة” وهي الغمامة أو السحابة التي نراها في السماء يتيمة وحيدة وليست في سماء ملبّدة بالغيوم ولكنها تظلّ طالع خير وبركة أملا في أن تتوالد غماما مكثفا سرعان ما يتحوّل إلى ماء ينبت الزرع ويسقي الضرع. امطيرة ونوّة اسمان لا يُطلقان على مولودتين عزيزتين نادرتين في عيون أهلهما كندرة السحاب والمطر في ربوعهما فقط، بل كذلك أملا في أن تكون ولادتهما طالع غيث نافع عليهما. فتصبح التسمية هنا مثلها مثل بعض الطقوس المعروفة في الأماكن الجافة وسيلة للاستسقاء والاستمطار.كذلك، فإنّ إطلاق اسم “غرسة” على البنت لا يُفهم إلّا بمكانة الغرس والشجر وندرته لديهم، وهو الذي يعاني الأمرّين ويكابد المشاق لينمو ويصمد حتّى يتغلّب على الفناء والجدب. إنّ كلّ ما ينمو وينبت ويغرس من الشجر في هذه المناطق لا تضاهيه قيمة لدى سكّانه إلّا الأبناء. الغرسة كالبنت، بل قل إنّ البنت كالغرسة- ومن هناء اشتقت التسمية- ينبغي إحاطتها برعاية خاصة كالغرسة التي غُرست في تربة جافة وفي أرض قاحلة يتربّص بها الخطر من كلّ حدب وصوب، خطر الشهيلي والريح الصحراوي السموم والجدب الناتج عن قلّة المطر.
العرب استغنوا عن الأسماء المستوحاة من الحيوان والترحال
هناك أسماء اختصت بها بعض القبائل دون غيرها، مثل “وبرة” الذي كانت تُطلقه قديما قبيلة الربايع على بناتها دون غيرها من القبائل الأخرى و”الربايع” هي قبيلة مختصة في رعي الإبل تقطن الجنوب الجزائري والتونسي والغرب الليبي وكانت إلى عهد بعيد قبيلة ترحال صرف قبل أن يستقرّ البعض منها في العقود الأخيرة ورعاة الإبل القلائل اليوم الذين تبقوا ويتقنون رعيها الذي يستدعي خبرات ومهارات مخصوصة ومعرفة دقيقة بطبائع الإبل ومزاجها ينتمون في الغالب إلى هذه القبيلة التي تنحدر بأصولها من الجزيرة العربيّة.ومن البديهي أن تكون للوبر الذي اشتق منه اسم وبرة لدى هذه القبيلة التي طالما تغنّى شعراؤها الشعبيون بالطبع بالإبل مكانة متميزة لكونه قد شكّل طويلا مادة أساسيّة استعملها الربايع في صنع خيامهم وأمتعتهم ولباسهم. هؤلاء لا علاقة لهم قديما بالزراعة وغراسة الزيتون شأنهم في ذلك شأن القبائل الأخرى البدويّة التي كانت تعيش على الترحال ورعي الأغنام وتزدري الزراعة وتحتقرها.أما اسما “زيتونة” و”احوازة” (أي من حيازة الأرض) التي تعني غابة الزيتون فكانا اسمين أنثويين منتشرين بكثرة على سبيل المثال لدى قبيلة “عكارة” المستقرّة في مدينة جرجيس التونسية وأحوازها، وهي منطقة معروفة بكثافة زياتينها وارتزاق أهلها بالإضافة إلى الصيد البحري من جني الزيتون. غير أنّ الاسم الذي يعبّر أكثر من غيره عن نمط عيش القبائل الرحل برمّته وليس عن مظهر واحد من مظاهره في هذه المناطق هو دون شكّ “رحيل” وهو اسم توراتي كذلك يطلقه اليهود بصفة عامة وليس اليهود العرب فقط على بناتهم وانتقل إلى شعوب أخرى لا سيما ذات الثقافة الأسبانيّة في المكسيك والأرجنتين وغيرهما مع نطق الحاء تارة خاء “رخيل” وطورا خاء تكاد تلتبس بالكاف “ركيل”.“رحيل” اسم يكاد كغيره من الأسماء البدويّة التي ذكرناها ينقرض انقراضا تاما لو لم يبق بعض النسوة الطاعنات في السنّ ممّن يعددن على أصابع اليد الواحدة، كان يختزل أمل أهل من سُمّيت به المحظوظة من البنات في أن يحقّق لهم الرحيل الدائم بحثا عن الكلإ والعشب لقطعانهم حياة سعيدة. مع كلّ رحيل يتجدّد أملهم في حياة سعيدة وبالمسمّاة رحيل تكتمل هذه السعادة، فتأتي التسمية مطابقة لا للمسمّاة، ولمن سمّاها ولمن يناديها فحسب، بل لنمط حياة هؤلاء جميعا.

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

ملحق العدالة

mulhaq-preview

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
26°
28°
Tue
27°
Wed
الافتتاحية