Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

في ظلّ شجرة النسب: أحفاد أبي تمّام

في ظلّ شجرة النسب: أحفاد أبي تمّام
ادب وثقافة - 2:49 - 30/09/2015 - عدد القراء : 1174

«كالتي نقضتْ غزلَها من بعد قوّة أنكاثا» النّحل /92
يعيدنا الشعر العربي الحديث سواء مع «الآباء» المؤسّسين في العراق (السيّاب ونازك والبياتي) أو اللاحقين عليهم (أدونيس وصلاح عبد الصبور وحجازي وسعدي يوسف ومحمود درويش…) إلى سؤال الشعر نفسه. ونحن نعرف أنّ أبا تمّام الطائي في تاريخ الشعر العربي، كان الشاعر الأوحد الذي خصّه القدماء كلّهم أنصارا وخصوما بـ»مذهب» في الشعر؛ فقالوا «مذهب الطائي». ولم يقولوا هذا عن المتنبيّ مالئ الدنيا وشاغل الناس. والسّؤال هو: لِمَ لمْ يفطن القدامى إلى هذا التحوّل إلاّ مع أبي تمّام؟ ألأنّ المحدث كان في بداياته مع بشّار ومسلم بن الوليد وأبي نواس…حيث ظلّ النصّ في جانب كبير منه نسجا على منوال؟ والمصطلح المأثور»النّسج» إنّما يجسّد لحمة الجماعة القوليّة ومتخيّلها الثــّقافيّ القائم على ثنائيّة النّظر والكلمة بمقتضى قياس مقيّد في اللـّغة حيث كلمة «نسج» أو «غزل» على وشيحة بالقول أو بالكلام أم لأنّهم لم يتصوّروا أنّ هذا المحدث يمكن أن يضع الشّعر السّابق عليه في موضع الشّبهة أو أن ينقض غزله من بعد قوّة أنكاثا.يشير البعض في تعقيبهم على كلمة «نسيج» في قول بارت «إنّ النّصّ مرتبط من حيث تكوينه بالكتابة (إذ هو المكتوب) ولعلّ ذلك ناتج عن أنّ أشكال الحروف نفسها، وإن ظلّت خطّية، إنّما توحي بزرد النّسج أكثر ممّا توحي بالكلام (فكلمة «نصّ» تعني من حيث أصلها «النّسيج») ؛ إلى أنّ «الأمر يصحّ بالنّسبة إلى اللّغة الفرنسيّة. وهي إشارة فيها وجه من الصّواب، إذا اقتصرنا على كلمة «نصّ» في العربيّة، وإن كان في بعض اشتقاقاتها، ما يومئ إلى «علاقة»ما بينها وبين النّسيج أو يوهم بها (المنصّةـ بالفتح ـ : الحجلة من نصّ المتاع أي الموضع الذي يزيّن بالثّياب والسّتور للعروس، والمنصّة ـ بالكسر،ج مناصّ: الثّياب المرقّعة والفروش الموطّأة ). أمّا إذا استأنسنا بمباحث النّصوص أو ما يسمّى الألفاظ في علم أصول الفقه، وبالمدوّنة النّقديّة فإنّ النّصّ يعني المكتوب مثلما يعني النّسج أيضا.حتّى إذا وفد أبو تمّام على الشـّعر، اتّسعت الفجوة بين القديم والمحدث، أو بين طريقة العرب وطريقة المولّدين؛ على نحو ما نجد عند شعرائنا المعاصرين أمثال الذين ذكرناهم أعلاه. ولم يكن يكن بوسع النّـقد القائم على نظريّة العمود أن يسدّها. وهي فجوة تخصّ الذات الشّاعرة وتشظـّيها أيضا انطلاقا من تجربتها اللـّغويّة الخاصّة؛ أكثر منها «أنا» الشّاعر حتّى ليمكن القول إنّها ذات لا مكان لها ولا لحم Topos على نحو ما تدلّ عليها لغة أبي تمّام المتحدّرة من سجلاّت لغويّة متنافرة. وكأنّ الشّعر لا يحدّ إلاّ بهذه التّعدّديّة اللـّغويّة وفيها، حيث يجاور الغريب المأنوس، والعاميّ الفصيح؛ وتنشأ اللـّغة الشّعريّة من علاقة شدّ وجذب متبادلة بين هذه السّجلاّت جميعها. وفي هذا ما يعزّز مصادرة نأخذ بها من أنّه ليس ثمّة شعر، وإنّما قصائد متنوّعة لا تصدر عن مبدأ أعلى، أو أصل واحد هو ما درجنا على تسميته»الشّعر»، لسبب قد لا يخفى وهو أنّ الشّعر من حيث هو مفهوم أو فنّ بصيغة المفرد، لاحق على القصيدة. وهو لاشكّ مفهوم رجراج يتظافر في صياغته مجموع القصائد على اختلافها؛ ولكن دون أن يكون بميسوره امتصاص اختلافها أو تباينها. ونحن إنّما نكون في الشّعر لحظة إنشاء القصيدة أو أدائها أو الاستمتاع بها. فإذا كان من الشّائع السّائغ الكلام على هذا الفنّ بصيغة المفرد، فليس ذلك إلاّ في مستوى وحدة مفهوميّة تتنوّع طرائق إجرائها بتنوّع القصائد. وكلّ قصيدة تضع لبنة في هذه الوحدة المفتوحة على قدر ما تضع مفهوم الشّعر من جديد موضع تساؤل؛ ما دام» الشّعر» لا يوجد قبل الكلام الحيّ أو قبل إجراء اللـّغة على طريقة خاصّة؛ إلاّ إذا سوّغنا القول بشعريّة اللـّغة نفسها أي ما لا يسمع إلاّ فيها أي في صمتها أو طابعها الخاصّ؛ وكأنّ كلاّ منهما: الشّعر واللّغة يتوكّأ على الآخر، أو هما يتبادلان الأدوار باستمرار. والعربيّة، وهي التي نشأت ودرجت في بيئة شعريّة؛ لغة شاعرة ذات أنظمة إيقاعيّة دقيقة محكمة، إذ كانت لغة المقدّس الشّعري في الجاهليّة ثمّ المقدّس الدّيني (القرآن).وكلاهما عزّز هذا الطّابع الفنّي المثير فيها. وفي ما عدا هذا الطّابع فإنّ «الشّعر» – إذا استخدمنا عبارة مجازيّة – يبدأ من منتهى القصيدة، ويكون في عقبها أو طرفها. فلا مناص من الإقرار بأنّ القصيدة هي التي تصنع الشّعر حدّا أو مفهوما لا يثبت على حال، وليس الشّعر هو الذي يصنع القصيدة أو بأنّ القصيدة هي التي تستدعي أبدا تعريف الشّعر. ومردّ الإشكال عندنا إلى أنّنا لا نفصل بين الشّعر والقصيدة أو بين الشّعر بإطلاق القول، والشّعر بتقييده. وكان أسلافنا يحتكمون إلى ما أسموه «طريقة العرب» في تصنيف القصائد؛ على أنّها الأصل والمذهب والنّسيجة، بل»الوصفة» التي ينبغي أن تكتب القصيدة من خلالها. وربّما غاب عن كثير منهم أنّ «طريقة العرب» طرائق وأنّ القصائد التي تنضوي إلى هذه الطّريقة تتقارب على قدر ما تتباعد. ومن الأهميّة بمكان أن نأخذ بعين الاعتبار مدى الانسجام بين «المتقارب» و»المتباعد» في نظريّة الشّعر. فقد استتبـّت هذه النّـظريّة على أساس من درجة القربى بين القصائد. وهي الدّرجة التي كانت بمثابة «شجرة نسب» تؤلـّف بين قصائد الجاهليّة وما جرى في مجراها من قصائد القرن الأوّل للهجرة والقرون اللاّحقة عليه. أمّا تلك التي يختلف ماؤها ويفترق نسبها، ويتصرّم فيه إيقاع النّسبة والتعلـّق الرّابط بين هذه القصائد جميعها؛ وإن في مواقع قليلة سمّاها القاضي الجرجاني «مواقع الغرابة والحسن»، فقد تحاشاها أنصار العمود الشّعريّ على استجادتهم إيّاها ولم يحفلوا بها، بالرغم من أنّها جزء لا ينفكّ عن طريقة العرب. وكانت حجّتهم لذلك أنّ العرب «لم تكن تعبأ بالتّجنيس والمطابقة، ولا تحفل بالإبداع[البديع] والاستعارة إذا حصل لها عمود الشّعر ونظام القريض»؛ دون أن يعني زهدهم في البديع خلوّ القصيدة منه فـ»قد كان يقع ذلك في خلال قصائدها، ويتّـفق لها في البيت بعد البيت على غير تعمّد وقصد»؛ أي هو من نوادر الكلام وغرائبه المستجادة. فإذا كانوا قد استثنوا هذا «البديع» على غرابته وحسنه، من دون سائر أركان العمود ومعالم الطّريقة؛ فلأنّه من النّادر الذي يقلّ وجوده، ويتأتّى للشّاعر من غير تفكّر ودونما رويّة. وليس النّادر لديهم سوى الثـّمين النّفيس الذي يحفظ ولا يقاس عليه. لذلك كان من الطّبيعيّ أن يعقدوا نظريّتهم في الشّعر على عناصر التّـقارب بين القصائد من إصابة في الوصف ومقاربة في التـّشبيه وغزارة في بدائه الكلام وسوائر الأمثال وشوارد الأبيات، وأن يشيحوا عما هو متباعد أو متباين متفاوت من قصيدة إلى أخرى. ولم يكن المتقارب أو المؤتلف ليصنع تماثلا بين القصائد إلاّ في حدود ضيّقة أو مفهوميّة بالمعنى الحصريّ للكلمة ولا كان المتباعد أو المختلف؛ ليبلغ حدّ التّباين والتّـفاوت بالجملة؛ لأسباب قد تكون المشافهة من أظهرها.يقول القاضي الجرجاني: «فلمّا أفضى الشّعر إلى المحدثين، ورأوا مواقع تلك الأبيات من الغرابة والحسن[ في الشعر القديم]، وتميّزها عن أخواتها في الرّشاقة واللـّطف؛ تكلـّفوا الاحتذاء عليها فسمّوه البديع، فمن محسن ومسيء، ومحمود ومذموم، ومقتصد ومفرط».إذن من هذه المواقع القليلة النّادرة مواقع الشّعـر القديم «من الغرابة والحسن» تولـّد المحدث الشّعـريّ أو السّمة الأظهر فيه أي البديع والاستعارة. وفي هذا ما يسمح بالوصل بين القديم والمحدث على قدر ما يسمح بالفصل بينهما. فالمحدث احتذاء على مثال أو اقتداء به وتشبّه، ولكن في افراط وعلى خلاف عادة، أي أنّ ما هو غريب في القصيدة الأقدم ينعقد في المحدث على مقتضى نوع من التّواطؤ أشدّ غرابة وأعنت أداء، أو هكذا كان يتهيّأ للقدامى.وبذلك يكون المحدثون قد أتوا القديم من جهة التـّلبيس عليه أو إظهاره بخلاف ما عليه، وحملوا القصيدة على ما لا تحتمل من البديع والاستعارة؛ فجعلوا الشّعر مشتبها بغيره خافيا عليه في ذات الآن. فإذا علـّقنا بعيد استعاراته أو بديع صوره على رسالة أو معنى ظاهر؛ تمحّلنا على حقيقته وسرّه. والسرّ إنّما يتكـشّف من حيث هو سرّ؛ وكذلك المحدث فاختفاؤه في ظهوره، ومعلومه من مجهوله. وما قراءته إلاّ محاولة لكشفه من حيث هو اختفاء واحتجاب؛ أعني من حيث هو سرّ. ولنا عودة إلى هؤلاء الأحفاد

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

ملحق العدالة

mulhaq-preview

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
27°
30°
Mon
29°
Tue
الافتتاحية