Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

محمد صالح رجب وكتابة المسكوت عنه في مجموعته القصصية ” ضد الكسر”

محمد صالح رجب وكتابة المسكوت عنه في مجموعته القصصية ” ضد الكسر”
ادب وثقافة - 2:37 - 28/02/2016 - عدد القراء : 1010

أريد في هذه المقدمة ان أقدم للقارئ مفهومي للقصة القصيرة . حسب اجتهادي أرى أن القصة القصيرة تلتقط واقعة أو حادثة أو موقفا محددا ، فتبني حوله صراعا ما. تبسطه عبر لغة متماسكة ، بحيث تتمكن الشخصيات من التحرك بقوة وإيجابية لتطرح خطابا ناصعا يحمل وجهة نظر محددة ، لا مراوغة فيها .كل قصة قصيرة ناجحة تتضمن تبني موقف محدد من الحياة عبر حدوتة أو حكاية او مشهد أو واقعة باستخدام لغة معبرة ، مع فهم الشخصيات التي تنهض لحفر الصراع المحتدم وصولا إلى نهاية محددة أو مفتوحة حسب اجتهاد الكاتب المشغول دائما بتتبع مصائر الشخصيات التي يستحضرها على رقعة الورق .يشترط أن تكون القصة القصيرة ، ذات إيقاع متناغم ، ورؤية محددة ، وخطاب سردي واضح . قد نميل إلى أن يصنع النص القصصي دائرة تتسع رويدا رويدا لرصد حركة الشخصيات مع وجود حبكة ، ولحظة تنوير ، وخاتمة .ربما أمكن الاستغناء عن بعض العناصر دون الأخرى فالحدث أمر أساسي ، والمكان يسهم في أن يكون النص واضحا ثم أن الزمن يحضر ليمكن ترتيب الاحداث بشكل طيع وفعال . ولكل كاتب طريقته في تنضيد عناصره ووضع أولويته شريطة أن يشتغل على عناصره بعقل يقظ ، وقلب متلهف على تبيان الحقيقة . هناك قصة الحدث وقصة الشخصية وقصة البورتريه وهكذا دواليك . بدون وضع حدود نهائية للأفكار أو الأشكال التي تتسع لها القصة القصيرة. هناك مثال مهم كنا نردده في بداياتنا ، وهو : ” أن أشكال القصة القصيرة تتعدد بإسهامات الكتاب العظام فيها ” . وهذا صحيح إلى حد كبير لكنني أشدد على وحدة الموضوع ، وقوة الأثر ، وبأهمية تلك الموسيقى التي تسري في النص فتشعر معها أنك في مواجهة عمل أدبي يقص عليك أكثر القصص بهجة أو حزنا .قيل في مكان آخر :” إن القصة القصيرة تتعامل مع المهمشين في الأرض ” ، وهو ما نجده عند تشيخوف ، على سبيل المثال ، ولكنه ليس شرطا بل هو مجرد توجه محدد ، ومعيار للإجادة ، لا أكثر. فالكاتب الذي يمتلك حيوية القص وجدته يمكنه أن يعالج كل الأفكار ، وأن يخضع الشخصيات لمفاهيمه العميقة ، ككاتب متمكن من أدواته. بالطبع هناك فكرة محورية للنص الطازج ، وهو أنك تكتب عما تعرفه ، وأن تحكي حكاية ما ، عشتها أو رأيتها أو سمعتها ؛ فتورطت في حكايتها تورطا جميلا .فالحدث عنصر محوري ووحدة الحدث ذاته معيار للإجادة ؛ لكنني أتصور أن الكاتب الماكر مكرا فنيا أخاذا ، يمكنه أن ينفلت من كل القواعد المقررة ، ليشكل لنا بذرة قصة شيقة ، مستفيدا من الحركة الزمنية ، والترابط المنطقي بين الوقائع مع لغة مقطرة تسقط بعض التفاصيل التي ربما لا تكون ضرورية. في أحيان أخرى تنهض القصة القصيرة على تعانق تلك التفاصيل فتصنع مروحة من مرايا متجاورة ينشأ عنها جدل فني خلاق . مع حساسية فنية تجعل النص القصصي حاملا عطاءات فنية باذخة ، ليطرح خطابه في خفاء دون أن يصك السمع بجملة نهائية ، لها طابع الاكتمال ، تهز معها الرأس لأنك فهمت ووعيت وأدركت الحكمة.أقول لنفسي عند الإمساك بالقلم كي أكتب قصة جديدة : ” سوف أجعل قصتي ناقصة لأنه باكتمالها تفقد الكثير من رونقها ، وهي حيلة وضعت نصوصي دائما تحت مختبر سردي لاقتناص الدلالات بعيدا عن القراءة الأولى. هو نقص تعرفه الحياة ولعل انطلاق الخيال هو محاولة لتعويض هذا النقص ، وقد يصدمك ان الخيال ذاته لا يعرف الاكتمال النهائي أو إغلاق الدائرة . أريد أن أقول أن حكمة النص ليست عملا مستقلا بذاته ؛ فكل قصة قصيرة حقيقية لها حكمتها المنبعثة من مجموعة الدلالات والخطابات السرية والوعود والبروق والانحيازات التي تجعل كاتبا ما متورطا في الفعل الإنساني للنص ناهيك عن التحولات المرتبكة لقوانين الحياة .
في جملة واحدة : القصة القصيرة من الجمال والنبل بحيث أنها تتجدد فعليا في كل محاولة لكتابة نص جديد؛ فالكثافة ، والتركيز ، والصدق الفني ، والوعي ، وقوة الأثر ، كلها عناصر أساسية يمكن دمجها معا في صرة سردية كي يكون نصك صادقا وأصيلا.
سأتوقف هنا أيضا لأعترف لكل من يقرأ هذه المقدمة ، أن حديثي هنا قد تصيبه قلاقل معرفية ، وانكسارات وجدانية ، وإزاحات جمالية ، وانحرافات معيارية ، فأنا ككاتب قصة قصيرة محترف ، أعيش دائما مرحلة التجريب ، وأجد متعة لا تدانيها متعة كلما شرعت في كتابة نص جديد ، في نفس الوقت الذي أرتعد فيه رعبا مخافة التكرار والنسج على منوال سابق أوخفوت الدلالة أو شحوب الخطاب ، ذلك أن المغامرة واقتران الدهشة بالمتعة ، يحققها كل نص سردي أصيل حتى لو لم يمتلك الكاتب المؤرق بمصير نصوصه ، خلفية تنظيرية متماسكة وقوية.
* صورة غير نمطية للزاهد:تعالوا بنا نستعرض بعض نصوص مجموعة محمد صالح رجب، المعنونة بـ” ضد الكسر” لنطبق ـ ولو جزئيا ـ بعض ما جاء في مقدمتنا التنظيرية التي لا تدعي الكمال ، ولا تقطع الطريق أمام كل محاولة مختلفة لتحديد مفهوم القصة القصيرة .تبدو شخصية الشيخ العارف بالله من الشخصيات الإشكالية في ديوان السرد المصري ، فهو يمثل ذلك الطيف الإنساني المراوغ ، الذي يمثل حضوره حفظا للمكان ، وتبريكا لسكان البيوت المطلة على حانوته . أما هو فأفعاله غامضة ، وسلوكه يقع في المنطقة المشتركة بين الزهد والبركة.
في كل حارة مصرية يوجد ” الشيخ مجدي ” بأسماء أخرى ، وبتفصيلات متنوعة لكنها على الدوام تقترب من دائرة الاستغناء ، وتكون قليلة الكلام ، وأفعالها انعكاسا لقوة ما غير معلومة ، ربما صارت تلك الأفعال هي التي تعرف الناس بها ، فيكتشفون حقيقة أنفسهم من خلال رصد أساليب التعامل معه .في هذا النص نحن أمام مشاهد متقاطعة لرجل بسيط ياتي من عمق الصعيد ، ويطلب من أهل البيت القديم الرطب أن يجلس ببضاعته أمام المسجد ليتكسب رزقا حلالا ، وما تلبث البركة أن تعم المكان ، لكن ابن الرجل الطيب يموت وكذلك زوجته فيظل في حاله البائس متنقلا بين البيت والمسجد . أما الراوي فيحصل على عقد عمل في الخارج ، وبعد سنوات ، ينصلح حاله ، فيما يثري شقيقه فيبتني عمارة شاهقة ، ويشتري سيارة فارهة .
* عوالم مسكوت عنها : في قصة ” عروسة وعريس ” يستحضر القاص عوالم مسكوت عنها ، فالبنت التي تلعب مع ابن الجيران لعبة ” عروسة وعريس ” ، لا تستوعب كم الفجائع التي ستتعرض لها بعد أن رأتها أمها تلعب مع الصبيان ، وهمست لأبيها أن البنت قد فار جسدها والمفترض سترها . لم تكن البنت الغريرة تعرف مفهوم الزواج وهي تساق إلى ” العم سالم ” فينتهك براءتها ، وتشعر بالإهانة لأنه قد تم اقتحام جسدها بلا مقدمات. يمهد القاص لتلك الواقعة برصد البيئة الفقيرة التي تنتمي إليها البنت ، فالأب يفترش الأرض ويسحب أنفاس الشيشة ، فيما الأم الولود ، تسخن سكينا لدرجة الإحمرار وتهدد به الفتاة ثم تسوقها إلى رجل يكبرها كثيرا حتى أنه يموت بعد أشهر معدودة من الزيجة الغير متكافئة ، ويتركها أرملة. قبل الاتفاق تسألها أليست فرحة بالفستان الجديد وبالمعازيم ، والناس التي سترقص في فرحها فيما هي تحجب عنها حقيقة الزواج ، ومعناه ، وتبعاته الجسدية والنفسية . تعترف الفتاة أن ليلة الفرح كانت دامية حيث اختلط فيها الدم بالبكاء ، وبعد الموت الذي حررها جزئيا من ذلك الزواج المؤلم ، لم تتمكن من الخروج من بيتها ؛ فشهور العدة لم تنته بعد، وبقيت محبوسة في حجرتها التي ضاقت عليها ، وحين عادت لبيت أبيها حاملة حزنها ، رأت الأم أن تزوجها من جديد بحثا عن الستر. النص يطرح عدة قضايا في صرة سردية واحدة ؛ فهو يعالج فكرة تزويج البنات صغيرات السن لرجال في طور الشيخوخة ، كما أنه يمس فكرة وأد البنات وجدانيا بالإسراع بتزويجهن قبل الوعي بمفاهيم الزواج ، وهو كذلك يمر على موضوع ” العدة ” بعد موت الزوج ، فما أن تنتهي منه حتى تفكر الأم ـ وهي تضع على وجهها قناع العبوس والصرامة ـ في تزويجها من شخص آخر ؛ لأن وجود أرملة في بيت الأسرة معناه وجود خطر داهم حيث من الضروري أن تتستر برجل ، حتى يمتنع الكلام المرسل عن كل امرأة بلا رجل . كل هذه القضايا يتناولها الكاتب ، ويطرحها لبساط البحث دون أن يصل إلى حلول فهذه ليست مهمته ، وعنوان المجموعة ” ضد الكسر” ، تعني أن هناك في حياتنا نفوس انكسرت ، وقلوب أدميت ، وعقول التاثت بسبب إصرار المجتمع على التدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياة الناس ، لاسيما المرأة التي تظل فاقدة الأهلية بموجب الأعراف التي تجب القوانين الرسمية.لاحظت في هذا النص أن القاص قد تسلل برفق لبسط هذه المواجع بشيء من الهدوء ، وقد حاول أن يثبت عدسته على أكثر المواضيع إيلاما للنفس لكنه في الوقت ذاته تحدث عن الفقر ، والجهل ، وتقييد حرية الفتيات في مجتمع قاس لا يرحم ، وهذه إحدى ” الثيمات” التي تتكرر في نصوص الكاتب السردية.

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

ملحق العدالة

mulhaq-preview

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
21°
28°
Mon
29°
Tue
الافتتاحية